أكثر من مليوني فلسطيني يواجهون خطر الموت عطشاً في قطاع غزة
مقدمة
مع دخول قطاع غزة يومه الثالث والأربعين في جريمة الحرب المتواصلة، وصولا الى فتح الاحتلال الحرب على المستشفيات من أجل اغلاقها، واستكمال عملية التهجير القســـــــــــــــري وتدمير مدينة غزة وشمال القطاع تدميرا كاملا عبر القاء أكثر من (32) طن من المتفجرات أي ما يعادل ضعفي القنبلة النووية التي ألقيت على هيروشيما في اليابان.
يعاني قطاع غزة من التجويع والتعطيش جراء الحصار الخانق الذي تفرضه قوات الاحتلال عشية بدء العدوان الحربي في السابع من أكتوبر، وعجز العالم عن إدخال المعونات الإنسانية الممنوع وصولها إلى شمال القطاع، ومع استمرار علميات القصف والقتل والتدمير على مدار الساعة، يكابد المواطنون في قطاع غزة مشاق شديدة لتوفير المياه.
يواجه أكثر من مليوني فلسطيني في القطاع الساحلي الصغير الأكثر اكتظاظا على مستوى العالم من مخاطر العطش لعدم توفر مياه الشرب جراء القرار الذي اتخذته سلطات الاحتلال مع بدء عملية “طوفان الأقصى” بقطع إمدادات الكهرباء والمياه والوقود. حيث أعلن وزير جيش الاحتلال يوآف غالانت في 9 أكتوبر/تشرين الأول (ثالث أيام العدوان على القطاع) بفرض حصار شامل على القطاع بقوله” لا كهرباء ولا طعام ولا ماء ولا وقود” كما أعلن “نحن نحارب حيوانات بشرية”[1]وبموجب ذلك أوقفت الشركة الإسرائيلية امدادات مياه الشرب التي تصل بعض مناطق القطاع، وخاصة المنطقة الوسطى ومدينتي رفح وخانيونس جنوبا، وهي تلك المناطق التي يجري اجبار المواطنين على النزوح اليها من شمال قطاع غزة ومدينة غزة.
مصادر المياه في القطاع
تتعدّد مصادر المياه في قطاع غزّة، لكن يعد الخزان الجوفي المصدر الأساسي والأكبر من بين تلك المصادر، حيث يعتمد سكان القطاع بشكل كامل على خزان المياه الجوفي؛ إذ يتم شحنه من مياه الأمطار بمعدل (30–40) مليون متر مكعب سنويًا، وتقدر نسبة العجز بنحو 120 مليون متر مكعب تقريبًا؛ إذ يُستخدم القطاع نحو (240) مليون متر من المياه[2].
وتصل مياه “مكروت” إلى قطاع غزّة من خلال الاحتلال الإسرائيلي، التي تُقدّمها شركة “مكروت” وفق اتفاقيّةٍ مع السلطة الفلسطينية، يتحكّم الاحتلال في كمية وآلية المياه التي تصل من هذا المصدر، والتي يتم ضخها عبر ثلاث شبكات: الأولى، في منطقة بلدية غزة؛ والثانية، في بلدية عبسان الصغيرة؛ والثالثة، في المغازي؛ إذ تخضع هذه المياه لسيطرة كاملة من الاحتلال، ما يجعلها عرضةً لأي توقّف خلال الأزمات، أو خلال أوقات التصعيد والعدوان المتكرر على قطاع غزّة[3].
في حين تشكل المياه المحلاه المصدر الثالث للمياه في قطاع غزّة، ويبلغ عددها ثلاث محطات، وهي: محطة القرارة والجنوب، ومحطة دير البلح، ومحطـــــة الشمال؛ حيث بلغ إجمالي كميات المياه المحلاة من المحطات الثلاث في العام 2021 نحو (3.58) متر مكعب. ويُعد تجميع مياه الأمطار، المصدر الرابع والأخير من مصادر المياه في قطاع غزّة؛ إذ تهطل ما نسبته (100 إلى 120) مليون متر مكعب سنويًا على كلّ مناطق القطاع؛ ما يتطلّب الحفاظ عليها واستغلالها، إلّا أن شح المُعدات والإمكانات اللازمة يجعل جزءًا كبيرًا من هذه الكمية يذهب سدى إلى البحر من دون الاستفادة منه[4].
سياسات التعطيش
لجأت دولة الاحتلال الى اتباع العديد من السياسات التي تهدف لقتل الغزيين عطشا، وخاصة في مناطق شمال القطاع منها:
- ادخال كميات مياه قليلة في مناطق الجنوب فقط، حيث لم تسمح بإدخال سوى (4%) من كميات المياه يوميا من احتياجات سكان القطاع ضمن برامج المساعدات الإنسانية. ويتم توزيع مساعدات المياه بشكل أساسي في جنوب القطاع في حين لم تتمكن الجهات الإغاثية المختصة من توزيع المياه المعبأة على النازحين المقيمين في الشمال.
- اغلاق جميع ابار المياه البلدية بسبب نقص الوقود. وفي المجمل يواجه سكان قطاع غزة نقصاً حاداً في المياه الصالحة للاستخدام، بعد إغلاق جميع آبار المياه البلدية بسبب نقص الوقود.
- توقف أنشطة نقل المياه بالشاحنات، نتيجة القصف المستمر لكافة الأماكن والمنشآت، واستهداف معظم خزانات وآبار المياه المتبقية وخطوط الصرف الصحي.
- قطع امدادات الوقود الى قطاع غزة وتدمير البنية التحتية وشبكات الصرف الصحي الناس.
- تسببت أزمة انقطاع الكهرباء ونفاد الوقود في احداث أزمات في توزيع المياه من الآبار الجوفية الى المنازل، يتزامن ذلك مع توقف تام لسيارات نقل وبيع مياه الشرب من محطات التحلية الخاصة بفعل نفاد الوقود
- يؤدي استمرار العدوان الحربي الى مضاعفة مخاطر استهداف المواطنين في الشوارع، الامر الذي يقلل من فرص تمكينهم من تعبئة الخزانات المنزلية على أسطح المنازل لضعف وتدمير الخطوط الرئيسية للمياه.
العدوان الحربي.. الموت عطشا
في تصريح له افاد يونس زهدي الغريز – مساعد رئيس “لجنة الطوارئ” الحكومية في غزة- إن المدينة تواجه أزمة جفاف حقيقية، وأكثر من مليوني فلسطيني معرضون للموت بالصاروخ أو بالعطش، مؤكدا غياب أي نوع من المياه متاح للبشر والشجر، وحتى المياه المالحة المستخدمة للنظافة الشخصية والعامة. وفي وصفه للأزمة الإنسانية الحادة التي تعصف بالقطاع، يقول المتحدث ذاته إن كل شيء يموت في غزة شيئا فشيئا، وكافة مرافق الحياة وقطاعاتها في حالة شلل تام، منذ ما بقرب انتهاء وقود الطوارئ لسيارات الإسعاف والدفاع المدني أيضا.
وبشأن ما تبقى من محطات مياه محلاة لا تزال تعمل بالحد الأدنى وبواسطة الطاقة الشمسية، يقول الغزير إنها تنتج من (10 إلى 15) ألف كوب يوميا، في حين يحتاج سكان القطاع لنحو (300) ألف متر مكعب، أي ما يعادل (3) ملايين لتر يوميا.[5]
حذّر المفوض العام لوكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين أونروا فيليب لازاريني، من التداعيات الخطيرة لنفاد المياه الصالحة للشرب على حياة سكان غزة البالغ عددهم (2.3) مليون تقريبا، في ظل الحرب الإسرائيلية التي تسببت في أزمة إنسانية كبيرة[6].
وللتخفيف من وقوع الكارثة اضطرت بلدية خان يونس وغيرها من بلديات القطاع إلى تسيير سيارات تابعة لها على متنها مولدات، لتعبئة خزانات المنازل في الأحياء المكتظة من آبار خاصة لمواطنين مياهها مالحة وغير معقمة ولا تصلح للاستخدام البشري، وأصبح العثور عليها بالنسبة للأغلبية في زمن العدوان “مهمة مستحيلة[7]“.
تداعيات واثار تعطيش القطاع
- وفقا لمنظمة الصحة العالمية فإن المعدل الموصي به يوميا للفرد الواحد من المياه يبلغ ما بين (100 إلى 150 لتر) من المياه، لتلبية احتياجاته اليومية الأساسية، وقد وصلت اليـــــوم في قطـــــــــــــــــــــــاع غزة بفعل تعطيش الســــــــــــــــــــكان من (1 إلى3) لتر في اليوم لكل فرد حسب المنطقة التي يتواجد بها.
- أدى منع سلطات الاحتلال من إدخال الوقود الى القطاع الى توقف السلطات المحلية في غزة عن ضخ المياه (المالحة) من الآبار إلى المنازل، بجانب توقف ثلاث محطات لتحلية المياه التي كانت تنتج في السابق (21) مليون لتر من مياه الشرب يومياً، ولم يبق لدى الأسر في أغلبية مناطق القطاع أي مصدر للمياه، سواء للشرب أو للاستخدامات المنزلية الأخرى، مما يدفع بغالبية المواطنين إلى شرب مياه غير صالحة للشرب تجعلهم عرضة لأزمات صحية خطيرة تهدد حياتهم.
- ان قطع التيار الكهربائي ادى الى تزاحم المواطنين لساعات طويلة تمتد حتى (6) ساعات يوميا على آبار المياه المالحة والقليل من محطات التحلية التي لاتزال تعمل بالحد الأدنى، لتعبئة جالونات بلاستيكية بالكاد تفي القليل من احتياجاتهم اليومية، والبعض منهم اضطرا الى شرب المياه المالحة وغير المعالجة.
- تفاقم معاناة السكان جراء النقص الحاد في المياه الصالحة للشرب، وسوء ظروف الصرف الصحي مما أدخل قطاع غزة في خطر صحي هائل، حيث بدأت الأمراض، مثل التهاب الكبد الوبائي والجدري والجرب والإسهال الشديد وانتشار القمل بالظهور. وقد افاد المتحدث باسم “أونروا” كاظم أبو خلف انه من بين النازحين في مراكز الايواء هناك أكثر من (13) ألف حالة مرض جلدي بسبب شح المياه للتنظيف حالات الإسهال ما بين الأطفال حوالي (33) ألفا[8].
- ويتزاحم المواطنون على آبار للمياه المالحة والقليل من محطات التحلية التي لا تزال تعمل بالحد الأدنى، لتعبئة “غالونات” بلاستيكية بالكاد تفي باحتياجاتهم اليومية، والبعض منهم اضطروا إلى شرب المياه المالحة وغير المعالجة، بحسب رئيس بلدية خان يونس المهندس زهدي الغريز.
- أغلبية سكان غزة لم يعودوا في حالة ترف للسؤال عن نوعية المياه في ظل انقطاع كل مصادر المياه عن (90%) من المنازل، حتى اضطر كثيرون إلى شرب مياه مالحة وغير معالجة، مما ينذر بأزمة صحية خطيرة.
- وفي ظل استهلاك المياه المالحة، بالإضافة إلى سوء ظروف الصرف الصحي فإن هناك خطر يهدد حياة الأطفال دون سن ستة أشهر والنساء الحوامل والأشخاص الذين يعانون من أمراض الكلى، ويهدد بانتشار القمل، والجدري والجرب والإسهال الشديد، ومن المتوقع أن ترتفع معدلات الإصابة بهذه الأمراض ما لم يتم تزويد مرافق المياه والصرف الصحي بالكهرباء أو الوقود لاستئناف عملياتها. وحذرت منظمة الصحة العالمية من خطر الانتشار السريع للأمراض المعدية والالتهابات البكتيرية بسبب نقص المياه وما يرتبط بذلك من استهلاك المياه الملوثة، حيث تم الإبلاغ عن أكثر من (33,500) حالة إسهال، أكثر من نصفها كانت بين الأطفال دون سن الخامسة.[9]
توصيات
ونتيجة لذلك يسابق الفلسطينيون الزمن والى جانبهم كافة المنظمات والهيئات الدولية والشعوب الحرة من اجل وقف جريمة الإبادة الجماعية المتواصلة على السكان الفلسطينيين في القطاع، من أجل انقاذ حياة المدنيين وتوفير الاحتياجات الأساسية لهم، ووقف سياسة الاحتلال اللاإنسانية والهادفة الى استمرار حرمان السكان من حقهم في الوصول المأمون للمياه، وتشغيل المرافق الضرورية للمياه والصحة والصرف الصحي، كما اننا نضم صوتنا الى كافة الساعين الى توجيه نداء عاجل وفوري من أجل مطالبة المجتمع الدولي بالكف عن اتباع المعايير المزدوجة في التعامل مع مأساة الفلسطينيون تحت الاحتلال.
يمكنك تحميل ورقة الحقائق PDF:
[1]. https://www.timesofisrael.com/liveblog_entry/defense-minister-announces-complete-siege-of-gaza-no-power-food-or-fuel/
[2]. الصفحة الالكترونية لسلطة المياه: . https://www.pwa.ps/ar_page.aspx?id=5OmXWDa2720110074a5OmXWD.
- موقع نبض الالكتروني: https://nabd.com/s/-.
[4]. قطاع المياه: واقع، احتياجات، إنجازات، سلطة المياه وجودة البيئة في قطاع غزّة، 2021.
[5]. https://www.aljazeera.net/politics/2023/10/17
[6]. https://www.aljazeera.net/news/2023/10/17
[7] . https://nawa.ps/ar/post/49967
[8]. https://www.ochaopt.org/ar/content/hostilities-gaza-strip-and-israel-flash-update-33
[9]. https://www.ochaopt.org/ar/content/hostilities-gaza-strip-and-israel-flash-update-33