السيادة على الغذاء من منظور فلسطيني

يعتبر مفهوم السيادة على الغذاء أحد المفاهيم الحديثة التي أسستها حركة طريق الفلاحين كمقابل لمفهوم الأمن الغذائي، فإن كان مفهوم الأمن الغذائي يعني أن يتمكن جميع الناس في كافة الأوقات من الوصول المادي والاجتماعي والاقتصادي إلى كميات كافية وآمنة ومغذية من الغذاء والتي تلبي احتياجاتهم وتفضيلاتهم وتمكنهم من عيش حياة نشطة وصحية. فإن مفهوم السيادة على الغذاء يعني بجوهره حق الشعوب في الغذاء الصحي والمناسب ثقافياً، والمنتج من خلال طرق سليمة بيئياً ومستدامة، وحقهم في تحديد النظم الغذائية والزراعة الخاصة بهم.


وبهذا ينتقل مفهوم السيادة على الغذاء من نقاش الاستهلاك فقط إلى نقاش الاستهلاك والإنتاج، بحيث يصبح إنتاج الغذاء بطريقة صحية ومستدامة أيضاً من مواضيع البحث والتي تهم مستويات صنع القرار المختلفة.


ويكتسب إدخال الإنتاج إلى نقاش موضوع الغذاء كون معظم الغذاء (70%) ينتج في الأسواق المحلية في الدول، مما يجعل موضوع إنتاج الغذاء يخرج من دائرة تحرير التجارة ونطاق عمل الشركات العابرة للقارات ليصبح ركناً أساسياً من أركان تحقيق التوجهات السياساتية المتمثلة بمفهوم السيادة على الغذاء بدلاً من أن تكون مجالاً غير ذي صلة مثلما يتم الطرح في مفهوم الأمن الغذائي.


وهنا لا بد أيضاً من التمييز بين مفهومي السيادة على الغذاء والحق في الغذاء، فالحق في الغذاء هو حق إنساني ينبثق من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان ويرتبط بشكل وثيق بالحق بالحياة وقد قامت الدول التقدمية مثل فنزويلا وبوليفيا بتضمين هذا الحق في دساتيرها. أما موضوع السيادة على الغذاء فهو مفهوم سياساتي تقدمي ينظر إلى نظام إنتاج الغذاء بكليته ويسعى لحماية صغار المنتجين وأنماط إنتاج الغذاء المرتكزة على الدولة الوطنية للحماية من تقلبات الإنتاج وسيطرة رأس المال على إنتاج الغذاء.


ويرتبط مفهوم السيادة على الغذاء في السياق الدولي بحركات مناهضة الرأسمالية والعولمة، فمفهوم السيادة على الغذاء هو المفهوم البديل للأمن الغذائي الذي عملت الشركات والدول على ترويجه وتبنيه، إذ ينطلق مفهوم السيادة على الغذاء من تحليل الوضع الدولي القائم بما فيها حركة رؤوس الأموال والاستثمار في قطاع الإنتاج الغذائي، ليقدم مفهوما بديلاً يرتكز على تحرير الغذاء من مضاربات رؤوس الأموال والاستثمارات الكبيرة.


يرتكز مفهوم السيادة على الغذاء فلسطينياً على المبادئ التالية:


1) التأكيد على أن السيادة على الغذاء هي حق لجميع الشعوب من أجل تحديد سياساتهم الخاصة في المجال الغذائي والزراعي وحماية وتنظيم الإنتاج.


2) التشديد على حق الشعب الفلسطيني في الحصول والوصول إلى موارده الطبيعية والعمل على استدامتها وعدم التنازل عن هذا الحق تحت أي ظرف من الظروف.


3) الاحتلال الإسرائيلي هو المعيق والخطر المحدق الرئيسي الذي يهدد ويعرقل ويحول دون تحقيق السيادة على الغذاء والموارد الفلسطينية الطبيعية، وهو المعتدي على الشعب الفلسطيني وموارده ومقدراته وسياساته وإجراءاته تمثل السبب الرئيس لنقص السيادة الفلسطينية على الغذاء والأرض.


4) احترام تراث وثقافة وخيارات المزارعين، ودعم وتشجيع الزراعات التقليدية الخالية من المبيدات والأسمدة الكيميائية والهندسة الجينية.


5) الأرض لمن يفلحها أي إخراج الأراضي والمصادر الطبيعية كافة من دائرة المضاربة والاستغلال غير المستدام.


6) إعادة التوازن بين الصناعة والزراعة، بما يكفل أيضاً إيصال الخدمات الأساسية للريف وفك تبعية الريف للمدينة وإنهاء حالة النمو غير المتكافئ بين الريف والمدينة.


7) الاعتماد الأساس بالإنتاج الزراعي يجب أن يكون على الفلاحين الصغار والمتوسطين، والتعاونيات الزراعية، بما يكفل استدامة نمط الإنتاج الغذائي الفلسطيني.


8) يجب أن يكون الإنتاج موجهاً بالأساس إلى السوق المحلي، ويجب أن يكون الإنتاج صحياً ويراعي مصالح المنتجين والمستهلكين.


9) الممارسات الزراعية التقليدية هي إرث غني تراكم نتيجة عمل الأجيال المتوالي بالزراعة والفلاحة، وهذا الإرث هو جزء غني من تراثنا الوطني ومعارفنا المتراكمة، يجب الحفاظ عليه والبناء عليه لا التعامل معه وفق قاعدة الإهمال.


يتضح مما سبق أن السيادة على الغذاء هو مفهوم تحرري، يساهم في إيجاد الأرضية اللازمة لتحويل التعامل مع القطاع الزراعي من قطاع ضعيف ملحق بالمنظومة الاستعمارية إلى قطاع يساهم بشكل جوهري بتحرير الإنسان والأرض. إلا أن اشتراط التحول يجب أن يحمل في ثناياه الفلاحين الفلسطينيين المؤمنين بهذا المفهوم والقادرين على إعادة صياغة واقعهم الزراعي وفق مبادئ التعاون والإنتاج والاستدامة اعتماداً على قدراتهم الذاتية أولاً والمجتمعية ثانياً.


(نُشِرَت أولاً في موقع إتجاه)